جامعات إيران: “ثكنات عسكرية” تخفي بركاناً يغلي

0

 

يمثل استقلال الجامعات والمؤسسات العلمية عن السلطة السياسية معياراً عالمياً راسخاً وأساساً للتقدم، إلا أن نظام الملالي في إيران، وفي تحدٍ صارخ لهذا المعيار، يسعى حثيثاً لتدمير المؤسسة العلمية من جذورها لضمان بقائه. وقد تجلت النتائج المباشرة لهذا النهج في انهيار الاقتصاد، وتدمير البيئة، وموجات هجرة العقول بالملايين، وشيوع اليأس بين الطلاب. وتكشف التقارير الواردة من داخل إيران عن تحويل الحرم الجامعي إلى “ثكنة عسكرية” ومصادرة هوية الطالب، في محاولة يائسة لكبت بركان الغضب الذي يغلي تحت الرماد، والذي ينذر بانفجار حتمي.
تدمير ممنهج وتصفية للعقول
بينما يتشدق نظام الولي الفقيه بشعارات التنمية، تشير الوقائع إلى أن “موت التنمية” والفساد الهيكلي هما الحصيلة الوحيدة لتدخلاته في الشأن الأكاديمي. وتأتي التقارير الصحفية الحكومية لتقدم اعترافات قسرية بهذا الواقع المرير، دون أن تجرؤ على تسمية المسبب الحقيقي.
فقد ذكرت صحيفة “هم ميهن” في عددها الصادر يوم 7 ديسمبر 2025 ، أن الجامعات الإيرانية شهدت بين عامي 2021 و2024 حملات “تصفية” واسعة طالت الطلاب والأساتذة، مما وضع هذه المؤسسة المدنية تحت ضغوط غير مسبوقة. وأكدت الصحيفة أن الفضاء الجامعي بات حكراً على الأصوات التي تسبح بحمد السلطة، بينما تم إخراس أي صوت ناقد.
“الجامعة الثكنة”.. لا ماء يُشرب دون إذن الباسيج!
ونقلت الصحيفة ذاتها عن أستاذ علم اجتماع متقاعد من جامعة طهران وصفاً دقيقاً لموت الروح الجامعية، قائلاً: “إن مناخ الجامعة اليوم مغلق، ضيق، ومتجمد. عملياً، لا يوجد أي فضاء سياسي للطلاب. لقد تحولت الجامعة إلى ثكنة عسكرية، حيث لا تستطيع إدارة الجامعة شرب الماء (اتخاذ أي قرار) دون إذن وموافقة جهاز الحراسة وباسيج الطلبة”.
وفي السياق نفسه، صرح ناشط طلابي من جامعة “شريف” التكنولوجية بأن “الابتكار والشجاعة أصبحا خطراً” في الجامعة، مشيراً إلى أن الهاجس الرئيسي للطلاب حالياً هو الهجرة والهروب من هذا الواقع الخانق.

انسداد الأفق الاقتصادي وموت الحافز
من جانبها، سلطت صحيفة “جهان صنعت” الضوء على أزمة “انعدام المستقبل” التي تواجه الطلاب. وأشارت إلى أن الطلاب يعانون من مشاكل اقتصادية خانقة وغياب حرية التعبير، والأخطر من ذلك هو معدلات البطالة المرتفعة بين الخريجين.
وبما أن التنمية معدومة في البلاد – باستثناء تنمية القمع والنهب – فقد أصبح الطالب جزءاً من الأزمة الهيكلية الكبرى. حيث يجد الطالب نفسه بعد سنوات من الجهد والدراسة عاجزاً عن تأمين وظيفة، في حين قد يجد أشخاص بلا تعليم فرصاً أفضل بسبب الفساد والمحسوبية، مما أدى إلى انخفاض حاد في دافعية الطلاب.
الخوف من “الهوية الجمعية” للطلاب
تعترف التقارير الحكومية بأن هوية الجامعة قد سُلبت منها، وتحولت إلى مجرد ترس في آلة النظام. فالجامعة التي يُفترض أن تكون ساحة لاكتساب الهوية الجمعية وممارسة المسؤولية الاجتماعية، أصبحت مساحة محاصرة أمنياً. حيث يواجه أي تحرك أو نشاط طلابي بنظرة أمنية متشككة، تهدف إلى منع تبلور أي حراك معارض.

البركان القادم
رغم أن نظام الملالي يبذل قصارى جهده ليظهر للعالم أن نار الجامعات قد خمدت ولم يبق سوى الرماد، إلا أن قراءة ما بين سطور هذه التقارير والاعترافات تؤكد حقيقة واحدة: هناك بركان يغلي في عمق الجامعات الإيرانية. إن فوران هذا البركان وانفجاره هو “حتمية قانونية” في علم الاجتماع السياسي. قد يستمر النظام في إهالة التراب والحجارة على فوهة هذا البركان عبر القمع، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إلى متى سيصمد هذا الغطاء الهش؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الاسطورة تويتر _ الاسطورة الجديد _ العمدة سبورت _ ترددات القنوات _ سعر الدولار اليوم