محور الأزمة في طهران لا في القرار 2231: إلى متى ننتظر أن تلد الأفعى حمامة؟
مع اقتراب جلسة 22 ديسمبر 2025 في مجلس الأمن، حيث يُعرَض تقرير جديد للأمين العام للأمم المتحدة حول مسار تنفيذ القرار 2231، تعود الأنظار مجددًا إلى نيويورك؛ خصوصًا بعد الرسالة المشتركة التي وجّهتها إيران وروسيا والصين استباقًا للتروئيكا الأوروبية ومحاولة رسم إطار قانوني وسياسي مسبق للمعركة الدبلوماسية المقبلة.
لكن خلف كل هذه التفاصيل التقنية، يفرض سؤال نفسه بإلحاح:
هل ما زال هناك أدنى شك في أن جوهر المشكلة في العالم والمنطقة يتمركز في نظام ولاية الفقيه في طهران؟ وأن فكّ عقدة الأزمات يمرّ عبر تغيير هذا النظام، لا عبر إطالة لعبة “الاسترضاء” والرهان الخاسر على تعديل سلوكه؟
معركة قانونية في نيويورك… وحروب بالوكالة في الإقليم
في أروقة مجلس الأمن، يدور الجدل حول تفسير القرار 2231، آلية “سناب باك”، ومن الذي خرق الاتفاق النووي أولًا، وكيف تُقرأ بنود 36 و37 من الاتفاق وبند 11 من القرار. التروئيكا الأوروبية تتحدث عن “حق إعادة فرض العقوبات” في 2026، بينما تصرّ موسكو وبكين ومعهما طهران على أن القرار انتهى مفعوله وأن أي محاولة غربية للعودة إلى آليات الرقابة والضغط لا أساس قانونيًا لها.
لكن خارج القاعة الزجاجية في نيويورك، الصورة مختلفة تمامًا:
حروب غزة وما حولها وتدخّل الميليشيات الموالية للحرس الثوري.
الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة في العراق وسوريا.
التصعيد في لبنان واليمن، وتثبيت أذرع مسلّحة مرتبطة بطهران.
تصدير المسيّرات إلى جبهات بعيدة مثل أوكرانيا.
كل هذه الخيوط تنتهي إلى مركز واحد: غرفة القرار في طهران، تحت سلطة نظام ولاية الفقيه. هنا تحديدًا يصبح السؤال: هل جوهر المشكلة في نص القرار 2231، أم في بقاء نظام يعيش ويتنفس من خلال تصدير الأزمة والابتزاز الإقليمي والدولي؟
عقدان من الاسترضاء: من 2003 إلى عتبة 2026
منذ 2003 وحتى اليوم، قامت السياسة الغربية عمومًا على فلسفة “شراء الوقت”:
مفاوضات، حوافز اقتصادية، تعليق أو تخفيف للعقوبات، وغضّ الطرف عن كثير من الخروقات مقابل وعدٍ نظري بالتهدئة والالتزام.
الاتفاق النووي لعام 2015 (برجام) كان ذروة هذه المقاربة:
الأموال جرى الإفراج عنها، صادرات النفط تحسّنت، والعزلة السياسية خفّت جزئيًا، لكن بالمقابل:
لم يتوقف البرنامج الصاروخي.
لم تُجمّد الميليشيات العابرة للحدود.
بل توسّعت شبكات النفوذ من بغداد إلى صنعاء مرورًا ببيروت وغزة.
اليوم، مع اقتراب عام 2026 والحديث المتجدد عن آلية “سناب باك”، تعود نفس المعادلة القديمة في شكل جديد:
الغرب يحاول “ضبط سلوك” النظام عبر أدوات قانونية وضغوط محسوبة؛
وروسيا والصين توظّفان الملف الإيراني في صراع أوسع مع الولايات المتحدة وأوروبا، فتمنحان طهران مظلة سياسية في مجلس الأمن.
وفي وسط هذا الاشتباك، يغيب صوت الأساس: الشعب الإيراني نفسه، الواقع تحت قبضة نظام لا يستطيع الاستمرار إلا عبر القمع في الداخل وتصدير التوتر إلى الخارج.
نظام لا ينتج سلامًا… بل أزمات متسلسلة
نظام الملالي المعادي للمرأة في الداخل يقوم على:
قمع الانتفاضات الشعبية،
الإعدامات بالجملة،
قمع النساء والأقليات،
ونهب ثروات البلاد عبر شبكات اقتصادية تابعة للحرس الثوري ومكتب المرشد.
وفي الخارج، يبني شرعيته على:
“محور مقاومة” شكلي،
وواقع من الحروب بالوكالة،
وابتزاز مستمر للمجتمع الدولي بالملف النووي والرهائن والجبهات المشتعلة.
مثل هذا النظام بطبيعته لا يمكنه إنتاج استقرار أو شراكة حقيقية؛ لأنه يحتاج إلى العدو الدائم والأزمة الدائمة كي يبرّر وجوده. ولهذا يقول كثير من المراقبين في المنطقة بوضوح:
ما دامت “رأس الأفعى” في طهران قائمة، فإن كل قرارات مجلس الأمن واتفاقات فيينا ووساطات العواصم لن تكون سوى إدارة مؤقتة للأعراض، لا علاجًا لجذر المرض.
خيار العالم: مع النظام أم مع الشعب الإيراني؟
أمام هذه الحقيقة، لا يملك المجتمع الدولي إلا طريقين واضحين:
استمرار سياسة الاسترضاء وإدارة الأزمة
أي العودة إلى المفاوضات، تقديم حوافز محدودة، استخدام تهديد العقوبات لإجبار النظام على تعديلات شكلية، ثم الدخول في دورة جديدة من الخروقات والشد والجذب حتى إشعار آخر.
الاعتراف بأن الحل يبدأ من حق الشعب الإيراني في التغيير
أي الإقرار بأن الطريق الواقعي للخروج من دوامة الأزمات يمر عبر دعم تطلعات الإيرانيين لإسقاط نظام ولاية الفقيه وبناء نظام جمهوري ديمقراطي مسالم مع محيطه.
الإيرانيون الأحرار الداعمون للمقاومة الإيرانية يطرحون منذ سنوات بديلاً يستند إلى برنامج واضح لدولة علمانية، ديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان، وتعيش في حالة سلام وتعاون مع جيرانها بدل تصدير الميليشيات والصواريخ.
خلاصة: العقدة تُفكّ في طهران… لا في هوامش القرار 2231
جلسة 22 ديسمبر 2025 في مجلس الأمن قد تفتتح فصلًا جديدًا من السجالات القانونية حول 2231، وقد تستولد نصوصًا وتفسيرات إضافية تمهيدًا لمعركة 2026.
لكن إذا كان الهدف هو فعلاً تفكيك ألغام الأمن الإقليمي والعالمي، فلا مفر من الاعتراف بأن:
المشكلة الرئيسة ليست في فقرة هنا أو بند هناك،
بل في بقاء نظام ولاية الفقيه نفسه،
وأن حلّ العقدة يمر عبر تغيير هذا النظام، لا عبر إطالة عمره بسياسات الاسترضاء والتعايش الموهوم معه.
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح اليوم في نيويورك، والعواصم الغربية والعربية على السواء، ليس:
كيف نُعيد تفسير القرار 2231؟
بل: متى سيقف العالم أخيرًا إلى جانب شعبٍ يريد أن يغيّر جذريًا مصدر كل هذه الأزمات، بدل أن يواصل الرهان على صفقة جديدة مع من يصنع الأزمة أصلًا؟