إيران تراهن على انتخابات العراق للحفاظ على نفوذها الإقليمي

0

في الوقت الذي يستعد فيه العراق لإجراء سادس انتخابات برلمانية له بعد سقوط صدام حسين عام 2003، تتجه أنظار كثيرين في المنطقة نحو بغداد. فانتخابات 11 نوفمبر ليست مجرد حدث يرسم مستقبل العراق السياسي فحسب، بل تُعد اختباراً حساساً لتوازن القوى بين اللاعبين الإقليميين والدوليين. وفي هذا السياق، تتابع الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا الحدث بدقة وقلق، للحفاظ على ما تبقى من موطئ قدم لها في العراق، في ظل تراجع نفوذها الإقليمي الحاد بعد حرب غزة والتطورات الأخيرة في سوريا.
كانت السنتان الماضيتان فصلًا من الهزائم المتتالية لمحور المقاومة المدعوم من طهران. فقد أصيبت حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن بأضرار بالغة. وأدى القصف غير المسبوق على مواقع إيرانية في يونيو الماضي، وسقوط بشار الأسد المفاجئ في دمشق، إلى قطع حلقات رئيسية في سلسلة نفوذ طهران. وفي هذه الظروف، أصبحت بغداد آخر معقل محوري للحفاظ على نفوذ إيران في المنطقة. ويرى مراقبون سياسيون أن طهران «تراهن» أكثر من أي وقت مضى على نتائج هذه الانتخابات، للحفاظ على جزء على الأقل من أدواتها عبر الأحزاب الشيعية الحليفة والجماعات المسلحة الوكيلة.
منذ عقود، لعبت إيران دوراً حاسماً في السياسة العراقية عبر نفوذها في الأحزاب الشيعية والميليشيات. وكان تعيين محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء عام 2022 نموذجاً واضحاً لهذا النفوذ. غير أن المحللين يقولون إن قدرة طهران على فرض إرادتها تراجعت بشكل كبير. وأكد منقذ داغر، مدير مركز IIACSS للدراسات، في حديث لوكالة فرانس برس: «لم تعد إيران في موقع يتيح لها فرض شروطها على بغداد، لكن ذلك لا يعني توقف محاولاتها لممارسة النفوذ».
وأضاف إحسان الشمري، محلل سياسي آخر: «طالما بقي حلفاء إيران في مراكز اتخاذ القرار، فإن نفوذ طهران سيظل قائماً». ويظهر هذا التحليل أن شبكات النفوذ الإيرانية في الهيكل السياسي والأمني العراقي لا تزال نشطة حتى في ظل الضعف.
في المقابل، كثفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والاقتصادية لقطع جذور النفوذ الإيراني. وفرضت واشنطن في أكتوبر الماضي عقوبات على عدد من المصرفيين والشركات العراقية المرتبطة بحرس الثورة الإيراني وكتائب حزب الله، محذرة من أن يتحول العراق إلى قناة للالتفاف على العقوبات الإيرانية أو بيع نفطها بطرق غير قانونية. وفي الوقت نفسه، عززت أميركا وجودها الاقتصادي عبر عقود كبرى في قطاعات النفط والتكنولوجيا والرعاية الصحية.
وكتب مارك ساوايا، المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، الشهر الماضي على منصة إكس: «يجب أن يكون العراق دولة مستقلة تماماً، خالية من التدخل الخارجي المدمر، لا سيما من إيران وقواتها الوكيلة. لا مكان لجماعات مسلحة خارج سيطرة الحكومة».
وفي عشية الانتخابات، وجه مسؤولون أميركيون تحذيرات صريحة إلى بغداد. وقال بيت هيغست، وزير الدفاع الأميركي، في اتصال هاتفي مع ثابت العباسي، وزير الدفاع العراقي: «هذا آخر تحذير لنا، وأنتم تعرفون كيف سترد الإدارة الحالية». جاء هذا التصريح على خلفية تقارير عن تحركات ميليشيات مدعومة إيرانياً لتعطيل عمليات أميركية في المنطقة.
وقالت مصادر عسكرية لموقع «والا نيوز» إن وحدات تابعة لفيلق القدس أعدت مواقع في العراق لإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة ضد عدونا.
ستجرى الانتخابات المقبلة بمشاركة أكثر من 21 مليون ناخب مؤهل، وستحدد 329 مقعداً برلمانياً. ويخصص القانون 25% على الأقل من المقاعد للنساء. غير أن معهد تشاتام هاوس يتوقع أن تكون نسبة المشاركة الأدنى منذ 2003، بسبب اليأس الواسع بين العراقيين من جدوى الانتخابات، إذ يراها كثيرون ليست أداة للتغيير، بل عرضاً غير فعال.
في النهاية، فإن انتخابات 11 نوفمبر أكبر من حدث داخلي؛ إنها اختبار لمستقبل توازن القوى في الشرق الأوسط. تسعى إيران للحفاظ على آخر قواعد نفوذها، بينما تهدف أميركا عبر ضغوط متعددة الأوجه إلى قطع هذا النفوذ تماماً. وستؤثر نتائج هذه الانتخابات ليس في مسار العراق السياسي فحسب، بل في أمن واستقرار المنطقة بأكملها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الاسطورة تويتر _ الاسطورة الجديد _ العمدة سبورت _ ترددات القنوات _ سعر الدولار اليوم