الانتفاضات الأخيرة في إيران ودور النساء والشباب
شهدت إيران خلال الأعوام الأخيرة موجات متتالية من الانتفاضات الشعبية التي كشفت بوضوح حجم الغضب المتراكم ضد نظام الملالي. هذه الانتفاضات لم تكن عفوية فقط، بل جاءت نتيجة عقود من القمع والفساد وانعدام الحريات. المميز في هذه الحركات الاحتجاجية أن جيل الشباب، وبشكل خاص النساء، تصدروا الصفوف الأولى في مواجهة النظام، مما جعلهم رمزًا للأمل والتغيير. وفي الوقت ذاته، برزت أصوات الجاليات الإيرانية في الخارج، لا سيما في التظاهرات الكبيرة التي شهدتها نيويورك هذا العام، لتؤكد أن القضية الإيرانية باتت عالمية، وأن الشعب لن يقبل بغير الحرية بديلاً.
دور النساء في معركة الحرية لم يعد خفيًا على أحد. فمنذ انتفاضة عام 2019، ثم احتجاجات 2022 بعد مقتل مهسا أميني، وصولًا إلى التحركات الأخيرة، كانت النساء الإيرانيات في طليعة المواجهة، يهتفن ضد الديكتاتورية، ويقمن بدور تنظيمي بارز في الجامعات والشوارع. لقد أصبح خلع الحجاب الإجباري في ساحات الاحتجاج عملاً رمزيًا يختصر عقودًا من التمييز المفروض على نصف المجتمع. النظام حاول الرد بمزيد من العنف، لكنه زاد فقط من قوة التصميم لدى النساء.
أما الشباب، فهم وقود هذه الانتفاضات. أكثر من 60% من المجتمع الإيراني دون سن الثلاثين، وهذه النسبة الهائلة من الطاقة البشرية تمثل أكبر تهديد للنظام. جيل متعلم، متصل بالإنترنت، يرى كيف يعيش أقرانه في دول أخرى، ويرفض أن يُسجن في قوالب الرجعية والبطالة والقمع. لهذا السبب يشن النظام حربًا شرسة على الإنترنت ويحاول عزل الشباب عن العالم الخارجي، لكن محاولاته فشلت في إسكاتهم.
في مواجهة هذه الطاقات المتفجرة، قدّمت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، رؤية واضحة لدور النساء والشباب في بناء إيران الحرة. فهي تؤكد أن مستقبل إيران مرهون بقيادة النساء اللواتي عانين أكثر من غيرهن من ظلم الملالي، وبالشباب الذين يصرون على رفض الاستبداد. مشروعها ذو النقاط العشر يقدم ضمانات لحرية التعبير، المساواة بين الجنسين، وإلغاء جميع أشكال التمييز، وهو ما جعل الشباب والنساء يجدون فيه البديل الواقعي لما بعد سقوط النظام.
التظاهرات الكبرى التي شهدتها نيويورك هذا العام كانت انعكاسًا لهذه الروح. آلاف الإيرانيين من مختلف الأجيال اجتمعوا لدعم الانتفاضات في الداخل، رافعين صور مريم رجوي وشعارات إسقاط النظام. هذا الترابط بين الداخل والخارج يعكس وحدة القضية، ويؤكد أن النظام لم يعد يواجه غضبًا محليًا فقط، بل حركة شاملة تعكس إرادة شعبية ووطنية.
المعادلة باتت واضحة: النساء والشباب هم طليعة المقاومة، والنظام عاجز عن إخضاعهم رغم كل أدوات القمع. كلما زاد العنف، زادت شجاعة هذا الجيل الذي قرر ألا يعود إلى الوراء. العالم اليوم مطالب بأن يقف إلى جانب هذه الطاقات الحية، وأن يعترف بالمقاومة الإيرانية كبديل شرعي. فمستقبل إيران يُرسم الآن في شوارع طهران وأصفهان وشيراز، وفي ميادين نيويورك ولندن وبرلين، حيث يتردد الصوت ذاته: الحرية أولاً، والموت للديكتاتورية.